سورة يس - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


يقول الحق جلّ جلاله: {وما علَّمناه الشِّعْرَ} أي: وما علّمنا نبينا محمداً الشعر، حتى يقدر أن يقول شعراً، فيُتهم على القرآن، أو: وما علّمناه بتعلُّم القرآن الشعر، على معنى: أن القرآن ليس بشعر، فإنه غير مقفّى ولا موزون، وليس معناه ما يتوقاه الشعراء من التخييلات المرغبة والمنفرة ونحوها. فأين الوزن فيه؟ وأين التقفيه؟ فلا مناسبة بينه وبين كلام الشعراء، {وما ينبغي له} أي: وما يليق بحاله، ولا يتأتى له لو طلبه، أي: جعلناه بحيث لو أراد قَرْضَ الشعر لم يتأتّ له، ولم يسهل، كما جعلناه أُميًّا لم يهتدِ إلى الخط؛ لتكون الحجة أثبت، والشبهة أدحض.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ»، وقوله: «هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصبعٌ دَمِيتِ، وفِي سَبِيلِ الله ما لَقِيتِ»، فهو مما اتفق وزنه من غير قصد، كما يتفق في خطاب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم، ولا يسمى شعراً إلا ما قصد وزنه.
ولَمَّا نفى القرآن أن يكون من جنس الشعر، قال: {إِن هو إِلا ذِكْرٌ} أي: ما الذي يُعلِّم ويقوله إلا ذكر من الله، يُوعظ به الإنس والجن، {وقرآنٌ} أي: كتاب سماوي، يُقرأ في المحاريب، ويُتلى في المتعبّدات، ويُنال بتلاوته والعملِ به أعلا الدرجات. فكم بينه وبين الشعر، الذي هو من همزات الشيطان؟!.
أنزلناه إليك {لتُنذر به} يا محمد، أو: لينذر القرآن {من كان حَيًّا} بالإيمان، أو عاقلاً متأملاً؛ فإن الغافل كالميت، أو: مَن سبق في علم الله أن يحيى؛ فإن الحياة الأبدية بالإيمان، وتخصيص الإنذار به؛ لأنه المنتفع به، {ويَحِقَّ القولُ} أي: تجب كلمة العذاب {على الكافرين} المُصرِّين على الكفر، وجعلهم في مقابلة مَن كان حَيًّا إشعار بأنهم بكفرهم في حكم الأموات، كقوله: {ومَآ أَنتَ بِمُسْمَعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ} [فاطر: 22].
الإشارة: أما النبي عليه الصلاة والسلام فنفى الله عنه صنعة الشِّعر، والقوة عليه، لئلا يُتهم فيما يقوله، وأما الأولياء فكثير منهم تكون له القوة عليه، ويصرف ذلك في أمداح الخمرة الأزلية، والحضرة القدسية، أو في الحضرة النبوية، وينالون بذلك تقريباً، ورتبة كبيرة، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «لأنْ يمتَلىءَ جَوْفُ أحدِكم قَيْحاً يَرِيهُ خَيرٌ من أن يمتَلىء شِعْراً» فالمراد به شعر الهوى، الذي يشغل عن ذكر الله، أو يصرف القلب عن حضرة الله. قيل لعائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثّل بشيء من الشعر؟ فقالت: لم يتمثّل بشيء من الشعر إلا بيت طرفة، أخي بني قيس:
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ ما كُنتَ جاهلاً *** وَيَأتِيكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوَّدِ
وربما عكسه فقال: «ويأتيك مَن لم تزود بالأخبار». وبالله التوفيق.


يقول الحق جلّ جلاله: {أَوَ لَم يَرَوا} أي: أعموا ولم يعلموا {أَنا خلقْنا لهم مما عَمِلَت أيدينا} أي: أظهرته قدرتنا، ولم يقدر على إحداثه غيرُنا. وذِكْر الأيدي، وإسناد العمل إليها، استعارة، تُفيد مبالغة في الاختصاص والتفرُّد بالإيجاد، {أنعاماً} خصَّها بالذكر؛ لِمَا فيها من بدائع الحكمة والمنافع الجمة. {فهم لها مالكون} أي: خلقناها لأجلهم، فملكناها إياهم، فهم يتصرفون فيها تصرُّف المالك، مختصُّون بالانتفاع بها. أو: فهم لها حافظون قاهرون.
{وذَلَّلناها لهم} وصيَّرناها منقادة لهم. وإلا فمَن كان يقدر عليها لولا تذليلُه وتسخيره لها. وبهذا أمر الراكب أن يشكر هذه النعمة، ويسبح بقوله: {سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] {فمنها رَكوبهم} أي: مركوبهم، وهو ما يُركب منها، وقرىء بضم الراء، أي: ذو ركوبهم. أو: فمن منافعها ركوبهم. {ومنها يأكلون} ما يأكلون لحمه، أي: سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها. {ولهم فيها منافعُ} من الجلود، والأوبار، والأصواف، وغير ذلك، {ومشَارِبُ} من اللبن، على تلوُّنه من المضروب وغيره، وهو جمع: مشرب، بمعنى: موضع الشرب. أو: المصدر، أي: الشرب. {أفلا يشكرون} نِعَم الله في ذلك؟ إذ لولا إيجاده لها ما أمكن الانتفاع بها.
الإشارة: قوم نظروا إلى ما منَّ الله إليهم من المبرة والإكرام، فانقادوا إليه بملاطفة الإحسان، فعرفوا المنعِّم، وشكروا الواحد المنّان، فسخّر لهم الكون وما فيه، وقوم لم ينجع فيهم سوابغ النعم، فسلّط عليهم المصائب والنقم، فانقادوا إليه قهراً بسلاسل الامتحان، «عَجِبَ ربك من قوم يُساقون إلى الجنة بالسلاسل»، وكل هؤلاء سبقت لهم من الله العناية. وقوم لم ينجح فيهم نِعَمٌ ولا نِقَم، قد سبق لهم الخذلان، فأصرُّوا على العصيان، ولم يشكروا الله على ما أسدى من سوابغ الإحسان.


يقول الحق جلّ جلاله: {واتخذوا من دون الله آلهةٌ} أشركوها معه في العبادة، بعدما رأوا منه تلك القدرة الباهرة، والنعم المتظاهرة، وتحقّقوا أنه المنفرد بها، فعبدوا الأصنام، {لعلهم يُنصَرُون} بها إذا حزبهم أمْرٌ. والأمر بالعكس، {لا يستطيعون نَصْرَهم} أبداً، {وهم لهم} أي: الكفار للأصنام {جُندٌ} أي: أعوان وشيعة {مُحْضَرُونَ} يخدمونهم، ويذبّون عنهم، ويعكفون على عبادتهم، أو: اتخذوهم لينصروهم عند الله، ويشفعوا لهم، والأمر على خلاف ما توهّموا، فهم يوم القيامة جند معدّون لهم، محضرون لعذابهم؛ لأنهم يجعلون وقوداً للنار، التي يحترقون بها.
ثم سلّى نبيه مما يسمع بقوله: {فلا يَحْزُنك قَولُهم} فلا يُهمنَّك تكذيبهم، وأذاهم وما تسمع منهم من الإشراك والإلحاد. {إِنا نعلم ما يُسِرُّون} من عداوتهم وكفرهم، {وما يُعلِنُون} فيجازيهم عليه، فحقّ مثلك أن يتسلّى بهذا الوعيد، ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة، حتى ينقشع عنهم الهمّ، ولا يرهقه حزن. وهو تعليل للنهي على طريق الاستئناف، ولذلك لو قُرىء أنّا بالفتح، على حذف لام التعليل، لجاز، خلافاً لمَن أنكره وأبطل صلاة مَن قرأ به. انظر النسفي.
الإشارة: كل مَن ركن إلى شيء دون الله، فهو في حقه صنم، كائناً ما كان، عِلماً، أو عملاً، أو حالاً، أو غير ذلك. ولذلك قال القطب ابن مشيش لأبي حسن الشاذلي رضي الله عنهما لَمَّا قال: بِمَ تلقى الله يا أبا الحسن؟ فقال له: بفقري، قال: إذاً تلقاه بالصنم الأعظم، أي: وإنما يلقى الله بالله، ويغيب عما سواه. وقوله تعالى: {فلا يحزنك قولهم} فيه تسلية لمَن أُوذي في جانب الله. قال القشيري: إذا عَلِمَ العبدُ أنه بمرأىً من الحق، هان عليه ما يقاسيه، لا سيما إذا كان في الله. اهـ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7